بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
صفحة 1 من اصل 1
ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السكين، حَدثنَا أَبُو هَمَّامٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ الْأَهْوَازِيُّ، حَدثنَا مُوسَى بن عُبَيْدَة، حَدثنَا مُصعب بن مُحَمَّد، عَن أَبى سَلمَة ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ - أَوْ كَشَفَ سِتْرًا - فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ رَجَاءَ أَنْ يخلفه فِيهِمْ بِالَّذِي رَآهُمْ (1) .
فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي ".
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيه، حَدثنَا شَافِع بن مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو جَعْفَر بن سَلامَة الطَّحَاوِيّ، حَدثنَا المزى، حَدثنَا الشَّافِعِي، عَن الْقَاسِم بن عبد الله ابْن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: بَلَى.جِبْرِيلُ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدمى بعْدك.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إيذن لَهُ.
فَأَذِنَ لَهُ.
فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ فَإِن أمرتنى أَن أَقبض روحك قبضت، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهُ تَرَكْتُهُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله: " أَو تفعل يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ.
قَالَ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: " امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ " فَقَبَضَ رُوحَهُ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ بِحَالِ الْقَاسِمِ الْعُمَرِيِّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَتَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ آخَرُونَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - فَذَكَرَ مِنْهُ قِصَّةَ التَّعْزِيَةِ فَقَطْ مَوْصُولًا - وَفِي الْإِسْنَادِ الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ، قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى أَمْرِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن المرتعد الصغانى، حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد المخزومى، حَدثنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ناداهم مُنَاد] يَسْمَعُونَ الْحِسَّ وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصَ.
فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
فَحَدَّثَنَا
عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ: لما ان مَرِضَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ تَكْرِيمًا لَكَ وَتَشْرِيفًا لَكَ وَخَاصَّةً لَكَ، أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: " أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجَدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا ".
ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَدَّ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ، وَجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنهُ ثمَّ قَالَ:
(1) ابْن مَاجَه حَدِيث 1259: ورجاء أَن يخلفه الله فيهم.
(*)أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كُلِّ فَائِتٍ، وَدَرَكًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَانَ الْإِسْنَادَانِ وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ فَأَحَدُهُمَا يَتَأَكَّدُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أصلا من حَدِيث جَعْفَر وَالله أعلم.
وَأخْبرنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمد بْنُ بَالَوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَبَكَوْا حَوْلَهُ وَاجْتَمَعُوا، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَشْهَبُ اللِّحْيَةِ جَسِيمٌ صَبِيحٌ فَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ فَبَكَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَإِلَى اللَّهِ فَأَنِيبُوا وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا، وَنَظَرَهُ إِلَيْكُمْ فِي الْبَلَايَا فَانْظُرُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ من لم يجْبر، فَانْصَرَفَ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ: نَعَمْ هَذَا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَضِرُ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ضَعِيفٌ.
وَهَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ.
وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا هَاشم بن الْقَاسِم، حَدثنَا صَالح المزى، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حِين قَبضه الله عزوجل دَخَلَ الْمُهَاجِرُونَ فَوْجًا فَوْجًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ دَخَلَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا فَرَغَتِ الرِّجَالُ دَخَلَتِ النِّسَاءُ، فَكَانَ مِنْهُنَّ صَوْتٌ وَجَزَعٌ كَبَعْضِ مَا يَكُونُ مِنْهُنَّ، فَسَمِعْنَ هَدَّةً فِي الْبَيْتِ فعرفن فَسَكَتْنَ، فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءًمَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَالْمَجْبُورُ مَنْ جَبَرَهُ الثَّوَابُ وَالْمُصَابُ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ الثَّوَابُ.
فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَوْمِ وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: كُنْتُ بِالْيَمَنِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَا لِي: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَقَدْ مَضَى صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ.
قَالَ: فَأَقْبَلت وأقبلا، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لنا ركب من الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ صَالِحُونَ.
قَالَ: فَقَالَا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا، وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عزوجل.
قَالَ: وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ؟ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جرير إِن لَك عَلَيَّ كَرَامَةً وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هلك أَمِير تأمرتم فِي آخر، أما إِذا كَانَتْ بِالسَّيْفِ.
كُنْتُمْ مُلُوكًا تَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ وَتَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ.
هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بن المتَوَكل، حَدثنَا مُحَمَّد بن يُونُس، حَدثنَا يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، حَدثنَا زَائِدَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: لَقِيَنِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ وَقَالَ لِي: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدثنَا أَبُو سعيد، حَدثنَا زَائِدَة ; حَدثنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ الْيَوْمَ.
قَالَ جَرِيرٌ: فَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْمُعَدَّلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرو، حَدثنَا مُحَمَّد بن الْهَيْثَم، حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ التَّنُوخِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَن ناعم بن أجبل، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَقْبَلْتُ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَيْرَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمْنَا ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى الْحِيرَةِ.
فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْنَا وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَابَ أَصْحَابِي وَقَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ.
فَقُلْتُ: قَدْ مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، وَثَبَتُّ عَلَى إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَمَرَرْتُ بِرَاهِبٍ كُنَّا لَا نُقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبرنِي عَن أَمر أردته نفخ فِي صَدْرِي مِنْهُ شئ، فَقَالَ: ائْتِ بِاسْمٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ.
فَأَتَيْتُهُ بِكَعْبٍ فَقَالَ: أَلْقِهِ فِي هَذَا السِّفْرِ، لِسِفْرٍ أَخْرَجَهُ، فَأَلْقَيْتُ الْكَعْبَ فِيهِ فَصَفَحَ فِيهِ فَإِذَا بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ، وَإِذَا هُوَ يَمُوتُ فِي الْحِينِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.
قَالَ: فَاشْتَدَّتْ بَصِيرَتِي فِي إِيمَانِي، وَقَدِمْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَعْلَمْتُهُ وَأَقَمْتُ
عِنْدَهُ، فَوَجَّهَنِي إِلَى الْمُقَوْقِسِ فَرَجَعْتُ، وَوَجَّهَنِي أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِهِ، فَأَتَيْته، وَكَانَت وَقْعَةَ الْيَرْمُوكِ وَلَمْ أَعْلَمْ بِهَا فَقَالَ لِي: أَعَلِمْتَ أَنَّ الرُّومَ قَتَلَتِ الْعَرَبَ وَهَزَمَتْهُمْ؟ فَقُلْتُ كَلَّا قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ نبيه أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ بِمُخْلِفٍ الميعاد.قَالَ: فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ صَدَقَكُمْ، قُتِلَتِ الرُّومُ وَاللَّهِ قَتْلَ عَادٍ.
قَالَ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرته وَأهْدى إِلَى عُمَرَ وَإِلَيْهِمْ.
وَكَانَ مِمَّنْ أَهْدَى إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرُ - وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ الْعَبَّاسَ - قَالَ كَعْبٌ: وَكُنْتُ شَرِيكًا لِعُمَرَ فِي الْبَزِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَنْ فَرَضَ الدِّيوَانَ فَرَضَ لِي فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ نَبَأٌ عَجِيبٌ وَهُوَ صَحِيحٌ.
فَصْلٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَنَجَمَ النِّفَاقُ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ، حَتَّى جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَرَادُوا ذَلِكَ، حَتَّى خَافَهُمْ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامَ إِلَّا قُوَّةً، فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ.
فَتَرَاجَعَ النَّاسُ وَكَفُّوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ، فَظَهَرَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ.
فَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله لعمر الْخطاب - يعْنىحِينَ أَشَارَ بِقَلْعِ ثَنِيَّتِهِ حِينَ وَقَعَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ -: إِنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مقَاما لَا تذمنه! قلت: وَقد ذكرنَا (1) مَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّدَّةِ فِي أَحْيَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُسَيْلِمَةَ بْنِ حَبِيبٍ الْمُتَنَبِّئِ بِالْيَمَامَةِ، وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِالْيَمَنِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ حَتَّى فَاءُوا وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ تَائِبِينَ نَازِعِينَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِمْ مِنَ السَّفَاهَةِ وَالْجَهْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَفَزَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِهِ، حَتَّى نَصَرَهُمُ اللَّهُ وَثَبَّتَهُمْ وَرَدَّهُمْ إِلَى دِينِهِ الْحَقِّ عَلَى يَدَيِ الْخَلِيفَةِ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنهُ وأرضاه.
(1) وَذَلِكَ فِي أَخْبَار سنة إِحْدَى عشرَة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة للمؤلف (*)
فَصْلٌ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ قَصَائِدَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَجَلِّ ذَلِكَ وَأَفْصَحِهِ وَأَعْظَمِهِ، مَا رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ * مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وَتَهْمُدُ (1) وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ * بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ وَوَاضِحُ آيَاتٍ (2) وَبَاقِي مَعَالِمٍ * وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلًّى وَمَسْجِدُ بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا * مِنَ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا * أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ * وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مَلْحَدُ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فأسعدت * عُيُون ومثلاها من الْجِنّ تُسْعِدُ يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَلَا أَرَى * لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ مُفَجَّعَةٌ قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدٍ * فَظَلَّتْ لِآلَاءِ الرَّسُولِ تَعَدَّدُ وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ * وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجَّدُ أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنُ جُهْدَهَا * عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أَحْمَدُ فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ * بِلَادٌ ثوى فِيهَا الرشيد المسدد
(1) الاصل: تمهد.
وَمَا أثْبته عَن ابْن هِشَام 2 / 666 (2) ابْن هِشَام: آثَار (*)
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ طَيِّبًا * عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدُ (1) تُهِيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٌ * عَلَيْهِ - وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعُدُ لَقَدْ غَيَّبُوا حِلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً * عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لَا يُوَسَّدُ وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ * وَقد وهنت مِنْهُم ظُهُور وأعضد ويبكون من تبكى السَّمَوَات يَوْمَهُ * وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ * رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ تَقَطَّعَ فِيهِ مُنْزَلُ الْوَحْيِ عَنْهُمُ * وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنْجِدُ يَدَلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ * وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِدًا * مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا عَفُوٌّ عَنِ الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ * وَإِنْ يُحْسِنُوا فَاللَّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ * فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدَّدُ فَبينا هم فِي نعْمَة الله وَسطهمْ * دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنِ الْهُدَى * حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنِّي جَنَاحَهُ * إِلَى كنف يحنو عَلَيْهِ وَيَمْهَدُ فَبَيْنَاهُمُ فِي ذَلِكَ النُّورِ إِذْ غَدَا * إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنَ الْمَوْتِ مُقْصِدُ فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إِلَى اللَّهِ رَاجِعًا * يُبَكِّيهِ حَقُّ الْمُرْسَلَاتِ وَيَحْمَدُ (2) وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا * لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ الْوَحْيِ تَعْهَدُ قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا * فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ (3) ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء لَهُ فِيهَا (4) مقَام ومقعد
(1) من ت وَابْن هِشَام (2) المرسلات: الْمَلَائِكَة.
وفى ج: جفن المرسلات.
ويروى جن، أَي الْمَلَائِكَة المستورون (3) البلاط: الارض المستوية الملساء.
والغرقد: شجر.
(4) ابْن هِشَام فِيهِ.
(*)
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ * دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً * وَلَا أَعْرِفَنْكِ الدَّهْرَ دَمْعُكِ يَجْمُدُ وَمَالَكِ لَا تَبْكِينِ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي * عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يَتَغَمَّدُ فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي * لِفَقْدِ الَّذِي لَا مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ * وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ * وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكَّدُ وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ * إِذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يتلد وَأكْرم حَيا (1) فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى * وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا * دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبِتًا * وَعُودًا غَذَاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ رَبَاهُ وليدا فاستم تَمَامُهُ * عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدُ تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ * فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرَّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يُلْفَى لِمَا قُلْتُ (2) عائب * من النَّاس إِلَّا عَازِب الْعقل مبعد وَلَيْسَ هوائي نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ * لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ أَخْلُدُ مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ * وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الرَّوْض: وَقَالَ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِيَ لَا يَزُولُ * وَلَيْلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا * أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ * عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُول
(1) ا: صيتًا.
(2) ابْن هِشَام: لقولي.
(*)
وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا * تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا * يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُوُ جِبْرَئِيلُ وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ * نفوس النَّاس أَو كَادَت (1) تَسِيلُ نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا * بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُولُ وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا * عَلَيْنَا وَالرَّسُولُ لَنَا دَلِيلُ أَفَاطِمُ إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ * وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ * وَفِيهِ سيد النَّاس الرَّسُول
(1) الرَّوْض الانف: كربت.
(*)
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السكين، حَدثنَا أَبُو هَمَّامٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ الْأَهْوَازِيُّ، حَدثنَا مُوسَى بن عُبَيْدَة، حَدثنَا مُصعب بن مُحَمَّد، عَن أَبى سَلمَة ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ - أَوْ كَشَفَ سِتْرًا - فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ رَجَاءَ أَنْ يخلفه فِيهِمْ بِالَّذِي رَآهُمْ (1) .
فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي ".
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيه، حَدثنَا شَافِع بن مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو جَعْفَر بن سَلامَة الطَّحَاوِيّ، حَدثنَا المزى، حَدثنَا الشَّافِعِي، عَن الْقَاسِم بن عبد الله ابْن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: بَلَى.جِبْرِيلُ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدمى بعْدك.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إيذن لَهُ.
فَأَذِنَ لَهُ.
فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ فَإِن أمرتنى أَن أَقبض روحك قبضت، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهُ تَرَكْتُهُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله: " أَو تفعل يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ.
قَالَ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: " امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ " فَقَبَضَ رُوحَهُ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ بِحَالِ الْقَاسِمِ الْعُمَرِيِّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَتَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ آخَرُونَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - فَذَكَرَ مِنْهُ قِصَّةَ التَّعْزِيَةِ فَقَطْ مَوْصُولًا - وَفِي الْإِسْنَادِ الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ، قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى أَمْرِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن المرتعد الصغانى، حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد المخزومى، حَدثنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ناداهم مُنَاد] يَسْمَعُونَ الْحِسَّ وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصَ.
فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
فَحَدَّثَنَا
عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ: لما ان مَرِضَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ تَكْرِيمًا لَكَ وَتَشْرِيفًا لَكَ وَخَاصَّةً لَكَ، أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: " أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجَدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا ".
ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَدَّ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ، وَجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنهُ ثمَّ قَالَ:
(1) ابْن مَاجَه حَدِيث 1259: ورجاء أَن يخلفه الله فيهم.
(*)أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كُلِّ فَائِتٍ، وَدَرَكًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَانَ الْإِسْنَادَانِ وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ فَأَحَدُهُمَا يَتَأَكَّدُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أصلا من حَدِيث جَعْفَر وَالله أعلم.
وَأخْبرنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمد بْنُ بَالَوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَبَكَوْا حَوْلَهُ وَاجْتَمَعُوا، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَشْهَبُ اللِّحْيَةِ جَسِيمٌ صَبِيحٌ فَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ فَبَكَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَإِلَى اللَّهِ فَأَنِيبُوا وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا، وَنَظَرَهُ إِلَيْكُمْ فِي الْبَلَايَا فَانْظُرُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ من لم يجْبر، فَانْصَرَفَ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ: نَعَمْ هَذَا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَضِرُ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ضَعِيفٌ.
وَهَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ.
وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا هَاشم بن الْقَاسِم، حَدثنَا صَالح المزى، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حِين قَبضه الله عزوجل دَخَلَ الْمُهَاجِرُونَ فَوْجًا فَوْجًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ دَخَلَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا فَرَغَتِ الرِّجَالُ دَخَلَتِ النِّسَاءُ، فَكَانَ مِنْهُنَّ صَوْتٌ وَجَزَعٌ كَبَعْضِ مَا يَكُونُ مِنْهُنَّ، فَسَمِعْنَ هَدَّةً فِي الْبَيْتِ فعرفن فَسَكَتْنَ، فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءًمَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَالْمَجْبُورُ مَنْ جَبَرَهُ الثَّوَابُ وَالْمُصَابُ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ الثَّوَابُ.
فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَوْمِ وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: كُنْتُ بِالْيَمَنِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَا لِي: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَقَدْ مَضَى صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ.
قَالَ: فَأَقْبَلت وأقبلا، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لنا ركب من الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ صَالِحُونَ.
قَالَ: فَقَالَا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا، وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عزوجل.
قَالَ: وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ؟ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جرير إِن لَك عَلَيَّ كَرَامَةً وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هلك أَمِير تأمرتم فِي آخر، أما إِذا كَانَتْ بِالسَّيْفِ.
كُنْتُمْ مُلُوكًا تَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ وَتَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ.
هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بن المتَوَكل، حَدثنَا مُحَمَّد بن يُونُس، حَدثنَا يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، حَدثنَا زَائِدَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: لَقِيَنِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ وَقَالَ لِي: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدثنَا أَبُو سعيد، حَدثنَا زَائِدَة ; حَدثنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ الْيَوْمَ.
قَالَ جَرِيرٌ: فَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْمُعَدَّلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرو، حَدثنَا مُحَمَّد بن الْهَيْثَم، حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ التَّنُوخِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَن ناعم بن أجبل، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَقْبَلْتُ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَيْرَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمْنَا ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى الْحِيرَةِ.
فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْنَا وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَابَ أَصْحَابِي وَقَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ.
فَقُلْتُ: قَدْ مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، وَثَبَتُّ عَلَى إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَمَرَرْتُ بِرَاهِبٍ كُنَّا لَا نُقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبرنِي عَن أَمر أردته نفخ فِي صَدْرِي مِنْهُ شئ، فَقَالَ: ائْتِ بِاسْمٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ.
فَأَتَيْتُهُ بِكَعْبٍ فَقَالَ: أَلْقِهِ فِي هَذَا السِّفْرِ، لِسِفْرٍ أَخْرَجَهُ، فَأَلْقَيْتُ الْكَعْبَ فِيهِ فَصَفَحَ فِيهِ فَإِذَا بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ، وَإِذَا هُوَ يَمُوتُ فِي الْحِينِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.
قَالَ: فَاشْتَدَّتْ بَصِيرَتِي فِي إِيمَانِي، وَقَدِمْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَعْلَمْتُهُ وَأَقَمْتُ
عِنْدَهُ، فَوَجَّهَنِي إِلَى الْمُقَوْقِسِ فَرَجَعْتُ، وَوَجَّهَنِي أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِهِ، فَأَتَيْته، وَكَانَت وَقْعَةَ الْيَرْمُوكِ وَلَمْ أَعْلَمْ بِهَا فَقَالَ لِي: أَعَلِمْتَ أَنَّ الرُّومَ قَتَلَتِ الْعَرَبَ وَهَزَمَتْهُمْ؟ فَقُلْتُ كَلَّا قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ نبيه أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ بِمُخْلِفٍ الميعاد.قَالَ: فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ صَدَقَكُمْ، قُتِلَتِ الرُّومُ وَاللَّهِ قَتْلَ عَادٍ.
قَالَ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرته وَأهْدى إِلَى عُمَرَ وَإِلَيْهِمْ.
وَكَانَ مِمَّنْ أَهْدَى إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرُ - وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ الْعَبَّاسَ - قَالَ كَعْبٌ: وَكُنْتُ شَرِيكًا لِعُمَرَ فِي الْبَزِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَنْ فَرَضَ الدِّيوَانَ فَرَضَ لِي فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ نَبَأٌ عَجِيبٌ وَهُوَ صَحِيحٌ.
فَصْلٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَنَجَمَ النِّفَاقُ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ، حَتَّى جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَرَادُوا ذَلِكَ، حَتَّى خَافَهُمْ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامَ إِلَّا قُوَّةً، فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ.
فَتَرَاجَعَ النَّاسُ وَكَفُّوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ، فَظَهَرَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ.
فَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله لعمر الْخطاب - يعْنىحِينَ أَشَارَ بِقَلْعِ ثَنِيَّتِهِ حِينَ وَقَعَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ -: إِنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مقَاما لَا تذمنه! قلت: وَقد ذكرنَا (1) مَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّدَّةِ فِي أَحْيَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُسَيْلِمَةَ بْنِ حَبِيبٍ الْمُتَنَبِّئِ بِالْيَمَامَةِ، وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِالْيَمَنِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ حَتَّى فَاءُوا وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ تَائِبِينَ نَازِعِينَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِمْ مِنَ السَّفَاهَةِ وَالْجَهْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَفَزَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِهِ، حَتَّى نَصَرَهُمُ اللَّهُ وَثَبَّتَهُمْ وَرَدَّهُمْ إِلَى دِينِهِ الْحَقِّ عَلَى يَدَيِ الْخَلِيفَةِ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنهُ وأرضاه.
(1) وَذَلِكَ فِي أَخْبَار سنة إِحْدَى عشرَة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة للمؤلف (*)
فَصْلٌ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ قَصَائِدَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَجَلِّ ذَلِكَ وَأَفْصَحِهِ وَأَعْظَمِهِ، مَا رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ * مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وَتَهْمُدُ (1) وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ * بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ وَوَاضِحُ آيَاتٍ (2) وَبَاقِي مَعَالِمٍ * وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلًّى وَمَسْجِدُ بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا * مِنَ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا * أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ * وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مَلْحَدُ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فأسعدت * عُيُون ومثلاها من الْجِنّ تُسْعِدُ يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَلَا أَرَى * لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ مُفَجَّعَةٌ قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدٍ * فَظَلَّتْ لِآلَاءِ الرَّسُولِ تَعَدَّدُ وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ * وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجَّدُ أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنُ جُهْدَهَا * عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أَحْمَدُ فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ * بِلَادٌ ثوى فِيهَا الرشيد المسدد
(1) الاصل: تمهد.
وَمَا أثْبته عَن ابْن هِشَام 2 / 666 (2) ابْن هِشَام: آثَار (*)
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ طَيِّبًا * عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدُ (1) تُهِيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٌ * عَلَيْهِ - وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعُدُ لَقَدْ غَيَّبُوا حِلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً * عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لَا يُوَسَّدُ وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ * وَقد وهنت مِنْهُم ظُهُور وأعضد ويبكون من تبكى السَّمَوَات يَوْمَهُ * وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ * رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ تَقَطَّعَ فِيهِ مُنْزَلُ الْوَحْيِ عَنْهُمُ * وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنْجِدُ يَدَلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ * وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِدًا * مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا عَفُوٌّ عَنِ الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ * وَإِنْ يُحْسِنُوا فَاللَّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ * فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدَّدُ فَبينا هم فِي نعْمَة الله وَسطهمْ * دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنِ الْهُدَى * حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنِّي جَنَاحَهُ * إِلَى كنف يحنو عَلَيْهِ وَيَمْهَدُ فَبَيْنَاهُمُ فِي ذَلِكَ النُّورِ إِذْ غَدَا * إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنَ الْمَوْتِ مُقْصِدُ فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إِلَى اللَّهِ رَاجِعًا * يُبَكِّيهِ حَقُّ الْمُرْسَلَاتِ وَيَحْمَدُ (2) وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا * لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ الْوَحْيِ تَعْهَدُ قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا * فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ (3) ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء لَهُ فِيهَا (4) مقَام ومقعد
(1) من ت وَابْن هِشَام (2) المرسلات: الْمَلَائِكَة.
وفى ج: جفن المرسلات.
ويروى جن، أَي الْمَلَائِكَة المستورون (3) البلاط: الارض المستوية الملساء.
والغرقد: شجر.
(4) ابْن هِشَام فِيهِ.
(*)
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ * دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً * وَلَا أَعْرِفَنْكِ الدَّهْرَ دَمْعُكِ يَجْمُدُ وَمَالَكِ لَا تَبْكِينِ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي * عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يَتَغَمَّدُ فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي * لِفَقْدِ الَّذِي لَا مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ * وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ * وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكَّدُ وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ * إِذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يتلد وَأكْرم حَيا (1) فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى * وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا * دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبِتًا * وَعُودًا غَذَاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ رَبَاهُ وليدا فاستم تَمَامُهُ * عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدُ تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ * فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرَّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يُلْفَى لِمَا قُلْتُ (2) عائب * من النَّاس إِلَّا عَازِب الْعقل مبعد وَلَيْسَ هوائي نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ * لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ أَخْلُدُ مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ * وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الرَّوْض: وَقَالَ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِيَ لَا يَزُولُ * وَلَيْلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا * أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ * عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُول
(1) ا: صيتًا.
(2) ابْن هِشَام: لقولي.
(*)
وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا * تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا * يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُوُ جِبْرَئِيلُ وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ * نفوس النَّاس أَو كَادَت (1) تَسِيلُ نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا * بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُولُ وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا * عَلَيْنَا وَالرَّسُولُ لَنَا دَلِيلُ أَفَاطِمُ إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ * وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ * وَفِيهِ سيد النَّاس الرَّسُول
(1) الرَّوْض الانف: كربت.
(*)
مواضيع مماثلة
» ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُصِيبَة الْعَظِيمَة بوفاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
» ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي المكحلة الَّتِى كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يكتحل مِنْهَا
» ذِكْرُ مَنْ كَانَ آخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
» بَاب صفة خُرُوجه عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ
» بَاب تَارِيخ خُرُوجه عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْمَدِينَةِ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ
» ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي المكحلة الَّتِى كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يكتحل مِنْهَا
» ذِكْرُ مَنْ كَانَ آخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
» بَاب صفة خُرُوجه عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ
» بَاب تَارِيخ خُرُوجه عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْمَدِينَةِ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يونيو 27, 2013 8:37 pm من طرف ابو بلال
» غذاء الملكات
الخميس يونيو 27, 2013 8:34 pm من طرف ابو بلال
» أمراض يعالجها العسل
الخميس يونيو 27, 2013 8:28 pm من طرف ابو بلال
» فوائد عسل النحل
الخميس يونيو 27, 2013 8:27 pm من طرف ابو بلال
» تركيب العسل
الخميس يونيو 27, 2013 8:25 pm من طرف ابو بلال
» مواصفات العسل الطبيعي :
السبت أبريل 27, 2013 8:00 pm من طرف ابو بلال
» العشرة المبشرون بالجنة
السبت أبريل 27, 2013 7:38 pm من طرف ابو بلال
» حقوق المرأة في الإسلام
الثلاثاء أبريل 23, 2013 8:21 am من طرف lolita lola
» حتى الكدب يرفضه النمل سبحان من خلق وسوى وابدع
الأحد أبريل 21, 2013 9:41 am من طرف lolita lola