بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
صفحة 1 من اصل 1
سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَقِيلَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ إِلَى أَيَّام عُثْمَان، وَإنَّهُ أمره عُثْمَان أَن يملى الْمُصحف الامام عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تسع وَعشْرين فَالله أعلم.
وَمِنْهُم أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ.
أَبُو الْمُنْذِرِ، وَيُقَالُ أَبُو الطُّفَيْلِ.
سَيِّدُ الْقُرَّاءِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَبَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا.
وَكَانَ رَبْعَةً نَحِيفًا أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ لَا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
قَالَ أَنَسٌ: جَمَعَ الْقُرْآنَ أَرْبَعَةٌ - يَعْنِي مِنَ الْأَنْصَارِ - أُبَيُّ بْنُ كَعْبٌ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَجُلٌ من الانصار يُقَال لَهُ أَبُو يزِيد.
أَخْرَجَاهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ".
قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.
وَمَعْنَى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْك الْقُرْآن قِرَاءَةَ إِبْلَاغٍ وَإِسْمَاعٍ لَا قِرَاءَةَ تَعَلُّمٍ مِنْهُ، هَذَا لَا يَفْهَمُهُ أُحُدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُعْتَقَدَ خِلَافُهُ.
وَقد ذكرنَا فِي مَوضِع آخر سَبَب الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنه قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ: " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كتب قيمَة ".وَذَلِكَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى رَجُلٍ قِرَاءَةَ سُورَةٍ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ يَقْرَأُ أُبَيٌّ، فَرَفَعَهُ أُبَيٌّ إِلَى رَسُول الله فَقَالَ: " اقْرَأْ يَا أُبَيُّ " فَقَرَأَ فَقَالَ، " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ".
ثُمَّ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ " اقْرَأْ " فَقَرَأَ فَقَالَ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ".
قَالَ أُبَيٌّ: فَأَخَذَنِي مِنَ الشَّك وَلَا إِذْ كنت فِي الْجَاهِلِيَّة، فال: فَضرب رَسُول الله فِي صَدْرِي فَفِضْتُ عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقًا، فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ الله هَذِهِ السُّورَةَ كَالتَّثْبِيتِ
لَهُ وَالْبَيَانِ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَإِنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى أَحْرُفٍ كَثِيرَةٍ رَحْمَةً وَلُطْفًا بِالْعَبَّادِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ، فَقِيلَ: فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَقِيلَ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَقِيلَ ثَلَاث وَعِشْرُونَ وَقِيلَ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِجُمْعَةٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ أَسَدِ بْنِ جُنْدُب ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ.
أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا وَتُعْرَفُ تِلْكَ الدَّارُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْخَيْزُرَانِ.
وَهَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا.
وَقَدْ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ.
وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ أَقْطَاعَ عُظَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَخٍّ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَن جده عَمْرو ابْن حزم.وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَهُ حَدِيثَيْنِ ; الْأَوَّلَ قَالَ أَحْمَدُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ - وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ -: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَن رَسُول الله قَالَ: " إِنَّ الَّذِي يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ
خُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْجَارِّ قُصْبَهُ (1) فِي النَّارِ ".
وَالثَّانِيَ قَالَ أَحْمَدُ: حَدثنَا عِصَام بن خَالِد، حَدثنَا العطاف بن خَالِد، حَدثنَا يَحْيَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الْأَرْقَمِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَيْنَ تُرِيدُ؟ " قَالَ أَرَدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاهُنَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَيِّزِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: " مَا يُخْرِجُكَ إِلَيْهِ أَتِجَارَةٌ؟ " قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَرَدْتُ الصَّلَاةَ فِيهِ.
قَالَ: " الصَّلَاة هَاهُنَا - وأمأ بِيَدِهِ إِلَى مَكَّةَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ " وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ.
تَفَرَّدَ بِهِمَا أَحْمَدُ.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ، خَطِيبُ الْأَنْصَارِ، وَيُقَالُ لَهُ خَطِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَدَائِنِي بِأَسَانِيدِهِ عَنْ شُيُوخِهِ فِي وُفُودِ الْعَرَبِ عَلَى رَسُول الله، قَالُوا، قدم عبد الله بن عبس الثمالى ومسلمة بن هزان الحدانى على رَسُول الله فِي رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِمَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوا عَلَى قَوْمِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ، كَتَبَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَشَهِدَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رضى الله عَنْهُم.
.وَهَذَا الرَّجُلُ مِمَّنْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ.
نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَاحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ معَاذ بن عَمْرو
ابْن الْجَمُوحِ ".
وَقَدْ قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي أَيَّامِ أَبى بكر الصّديق.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ رَبَاحِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مخاشن ابْن مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْفِ بْنِ جِرْوَةَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ التَّمِيمِيُّ الْأُسَيْدِيُّ الْكَاتِبُ، وَأَخُوهُ رَبَاحٌ صَحَابِيٌّ أَيْضًا، وَعَمُّهُ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ كَانَ حَكِيمَ الْعَرَبِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَتَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ فِي الصُّلْحِ، وَشَهِدَ مَعَ خَالِدٍ حُرُوبَهُ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ أَدْرَكَ أَيَّامَ عَلَيٍّ وَتَخَلَّفَ عَنِ الْقِتَالِ مَعَهُ فِي الْجَمَلِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنِ الْكُوفَةِ لَمَّا شُتِمَ بِهَا عُثْمَانُ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامِ عَلَيٍّ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ، أَنَّ امْرَأَتَهُ لَمَّا مَاتَ جَزِعَتْ عَلَيْهِ فَلَامَهَا جَارَاتُهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ: تَعَجَّبَتْ دَعْدٌ لِمَحْزُونَةٍ * تَبْكِي عَلَى ذِي شَيْبةٍ شَاحِبِ إِنْ تَسْأَلِينِي الْيَوْمَ مَا شَفَّنِي * أُخْبِرْكِ قَوْلًا لَيْسَ بِالْكَاذِبِ إِنَّ سَوَادَ الْعَيْنِ أَوْدَى بِهِ * حُزْنٌ عَلَى حَنْظَلَةَ الْكَاتِب
(*)قَالَ أَحْمد بن عبد الله بن الرقى: كَانَ مُعْتَزِلًا لِلْفِتْنَةِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ عَلِيٍّ، جَاءَ عَنْهُ حَدِيثَانِ.
قُلْتُ: بَلْ ثَلَاثَةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدثنَا همام، حَدثنَا قَتَادَةُ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ حَافظ على
الصَّلَوَات الْخمس بركوعهن وَسُجُودِهِنَّ وَوُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " أَوْ قَالَ: " وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ قَتَادَةَ وَحَنْظَلَةَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ: " لَوْ تَدُومُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ سَاعَةً وَسَاعَةً ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُدَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ حَنْظَلَةَ.
وَالثَّالِثُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ جَدِّهِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ.
لَكِنْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٌ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ أَخِي حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ فَذَكَرَهُ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ مُرَقِّعٍ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ
الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُرَقِّعٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ فَذَكَرَهُ.
فَالْحَدِيثُ عَنْ رَبَاحٍ لَا عَنْ حَنْظَلَةَ، وَلِذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ (2) سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُخْطِئُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: وَصَحَّ قَول ابْن الرقى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ سِوَى حَدِيثَيْنِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ.
أَسْلَمَ قَدِيمًا، يُقَالُ بَعْدَ الصِّدِّيقِ بِثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ خَمْسَةٌ.
وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّهُ وَاقِفٌ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.
قَالَ: وَكَأَنَّ أَبَاهُ يَدْفَعُهُ فِيهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ ليمنعه من الْوُقُوع، فَقَصَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أُرِيدَ بِكَ خَيْرٌ، هَذَا رَسُول الله فَاتَّبِعْهُ تَنْجُ مِمَّا خِفْتَهُ.
فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْلَمَ.
فَلَمَّا بَلَغَ أَبَاهُ إِسْلَامُهُ غَضِبَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِعَصًا فِي يَدِهِ حَتَّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَمَنَعَهُ الْقُوتَ، وَنَهَى بَقِيَّةَ إِخْوَتِهِ أَنْ يُكَلِّمُوهُ، فَلَزِمَ خَالِدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا وَنَهَارًا، ثُمَّ أَسْلَمَ أَخُوهُ عَمْرٌو.
فَلَمَّا هَاجَرَ النَّاسُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ هَاجَرَا مَعَهُمْ، ثُمَّ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ فِي تَزْوِيجِ أُمِّ حَبِيبَة من رَسُول الله كَمَا قَدَّمْنَا، ثُمَّ هَاجَرَا مِنْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ صُحْبَة جَعْفَر، فَقدما على رَسُول الله بِخَيْبَرَ وَقَدِ افْتَتَحَهَا، فَأَسْهَمَ لَهُمَا عَنْ مَشُورَةِ الْمُسلمين، وَجَاء أخوهما أبان بن
سَعِيدٍ فَشَهِدَ فَتْحَ خَيْبَرَ كَمَا قَدَّمْنَا، ثُمَّ كَانَ رَسُول الله يُوَلِّيهِمُ الْأَعْمَالَ.
فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ الصِّدِّيقِ خَرَجُوا إِلَى الشَّامِ لِلْغَزْوِ فَقُتِلَ خَالِدٌ بِأَجْنَادِينَ، وَيُقَالُ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوب: حَدثنِي عبد الْملك بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن جده عَن عَمْرو ابْن حَزْمٍ ; يَعْنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ كَتَبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ رَاشِدَ بْنَ عَبْدِ رب السلمى، أعطَاهُ غلوتين
وغلوة بِحجر برهاط (3) ، فَمن خافه فَلَا حَقَّ لَهُ وَحَقُّهُ حَقٌّ وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: أَقَامَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَة بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يكْتب لرَسُول الله، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ كِتَابَ أَهْلِ الطَّائِفِ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ وَسَعَى فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ الله عَنْهُم خَالِد بن الْوَلِيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ [أَبُو سُلَيْمَانَ] (4) الْمَخْزُومِيُّ.
وَهُوَ أَمِيرُ الْجُيُوشِ الْمَنْصُورَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَالْعَسَاكِرِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَالْمَوَاقِفِ الْمَشْهُودَةِ، وَالْأَيَّامِ الْمَحْمُودَةِ.
ذُو الرَّأْيِ السَّدِيدِ، وَالْبَأْسِ الشَّدِيدِ، وَالطَّرِيقِ الْحَمِيدِ.
أَبُو سُلَيْمَان خَالِد بن الْوَلِيد.
وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَيْشٍ فَكُسِرَ لَا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: كَانَتْ إِلَيْهِ فِي قُرَيْشٍ الْقُبَّةُ وَأَعِنَّةُ الْخَيْلِ.
أَسْلَمَ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنُ أَبِي طَلْحَة بعد الْحُدَيْبِيَة وَقبل خَيْبَرَ، وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُهُ فِيمَا يَبْعَثُهُ أَمِيرًا، ثُمَّ كَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْعَسَاكِرِ كُلِّهَا فِي أَيَّامِ الصّديق.
فَلَمَّا ولى عمر بن الْخطاب عَزَلَهُ وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ أَمِينَ الْأُمَّةِ عَلَى أَلا يَخْرُجَ عَنْ رَأْيِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
ثُمَّ مَاتَ خَالِدٌ فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.
وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ - وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ - بِقَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ حِمْصَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهَا فَقِيلَ لِي دَثَرَتْ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: مَاتَ بِالْمَدِينَةِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا.
قَالَ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيه عَن جده، عَن عَمْرو ابْن حَزْمٍ، إِنَّ هَذِهِ قَطَائِعُ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ أَن صيدوح (5) وصيده لَا يعضد صَيْده وَلَا يُقْتَلُ، فَمَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يجلد وَينْزع ثِيَابُهُ، وَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيُبْلَغُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ.
وَكَتَبَ خَالِدُ بن الْوَلِيد بِأَمْر رَسُول الله فَلَا يَتَعَدَّاهُ أَحَدٌ فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مُحَمَّد.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَصَّيٍّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ.
أَحَدُ الْعَشْرَةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَصْحَابِ الشُّورَى الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله وَهُوَ عَنْهُم رَاض
[وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ وَزَوْجِ أَسمَاء بنت أَبى بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (6) .
رَوَى عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم، أَن الزبير بن الْعَوام هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِبَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ جَرْوَلٍ الْكِتَابَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَهُ لَهُمْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَتِيقٍ بِهِ.
أَسْلَمَ الزبير قَدِيما رضى الله عَنهُ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَيُقَالُ ابْنُ ثمانى سِنِينَ، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ الْمُشَاهِدَ كُلَّهَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَلَّ سَيْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَدْ شَهِدَ الْيَرْمُوكَ وَكَانَ أَفْضَلَ مَنْ شَهِدَهَا، وَاخْتَرَقَ يَوْمَئِذٍ صُفُوفَ الرُّومِ مِنْ أَوَّلِهِمْ
إِلَى آخِرِهِمْ مَرَّتَيْنِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ سَالِمًا، لَكِنْ جُرِحَ فِي قَفَاهِ بِضَرْبَتَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَبَوَيْهِ (7) وَقَالَ: " إِنَّ لكل نبى حواريا وحواري الزبير ".
وَلَهُ فَضَائِلُ وَمَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَرَّ رَاجِعًا عَنِ الْقِتَالِ، فَلَحِقَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ وَفَضَالَةُ بْنُ حَابِسٍ وَرجل ثَالِث يُقَال لَهُ النعر التَّمِيمِيُّونَ، بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي السِّبَاعِ، فَبَدَرَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ يَوْمئَذٍ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
وَقَدْ خَلَّفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَهُ تَرِكَةً عَظِيمَةً، فَأَوْصَى مِنْ ذَلِكَ بِالثُّلْثِ بَعْدَ إِخْرَاجِ أَلْفَيْ أَلْفٍ ومائتي ألف دِينَار، فَلَمَّا قُضِيَ دَيْنُهُ وَأُخْرِجَ ثُلُثُ مَالِهِ قُسِمَ الْبَاقِي عَلَى وَرَثَتِهِ، فَنَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ - وَكن أَرْبعا - ألف ألف وَمِائَتَا ألف، فمجموع مَا ذَكرْنَاهُ مِمَّا
تَرَكَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفَ ألف وَثَمَانمِائَة أَلْفٍ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ وُجُوهِ حِلٍّ نَالَهَا فِي حَيَاته مِمَّا كَانَ يُصِيبهُ من الفئ وَالْمَغَانِمِ، وَوُجُوهِ مَتَاجِرِ الْحَلَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ إِخْرَاج الزَّكَاة فِي أَوْقَاتِهَا، وَالصِّلَاتِ الْبَارِعَةِ الْكَثِيرَةِ لِأَرْبَابِهَا فِي أَوْقَات حاجاتها.
رضى الله عَنهُ ورأضاه وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مَثْوَاهُ، وَقَدْ فَعَلَ! فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ لَهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالْجَنَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَالَ فِيهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُهُ وَيُفَضِّلُهُ بِذَلِكَ.
أَقَامَ عَلَى عَهْدِ النَّبِي وهديه * حواريه وَالْقَوْل بِالْفَضْلِ يُعْدَلُ أَقَامَ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَرِيقِهِ * يُوَالِي وَلِيَّ الْحَقِّ وَالْحَقُّ أَعْدَلُ هُوَ الْفَارِسُ الْمَشْهُورُ وَالْبَطَلُ الَّذِي * يَصُولُ إِذَا مَا كَانَ يَوْمٌ مُحَجَّلُ ( وَإِن امْرَءًا كَانَتْ صَفِيَّةُ أُمُّهُ * وَمِنْ أَسَدٍ فِي بَيْتِهِ لَمُرَفَّلُ (9) لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قُرْبَى قَرِيبَةٌ * وَمِنْ نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ مَجْدٌ مُؤَثَّلُ فَكَمْ كُرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ * عَنِ الْمُصْطَفَى وَاللَّهُ يُعْطِي وَيُجْزِلُ إِذَا كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا الْحَرْبُ حَشَّهَا * بأبيض [سباق (10) ] إِلَى الْمَوْت يرفل فَمَا مِثْلُهُ فِيهِمْ وَلَا كَانَ قَبْلَهُ * وَلَيْسَ يكون الدَّهْر مَا دَامَ يذبل قد تَقَدَّمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ التَّمِيمِيُّ بِوَادِي السِّبَاعِ وَهُوَ نَائِمٌ، وَيُقَالُ بَلْ قَامَ مِنْ آثَارِ النَّوْمِ وَهُوَ دَهِشٌ فَرَكِبَ وَبَارَزَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ، فَلَمَّا صَمَّمَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ أَنْجَدَهُ صَاحِبَاه فضَالة والنعر فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ رَأْسَهُ وَسَيْفَهُ.
فَلَمَّا دخل بهما على
عَلِيٍّ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا رَأَى سَيْفَ الزُّبَيْرِ: إِنَّ هَذَا السَّيْفَ طَالَمَا فَرَّجَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ فِيمَا قَالَ: بَشِّرْ قَاتَلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ.
فَيُقَالُ إِنَّ عَمْرَو بْنَ جُرْمُوزٍ لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَتَلَ نَفْسَهُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُمِّرَ بَعْدَ عَلِيٍّ حَتَّى كَانَتْ أَيَّامُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَاسْتَنَابَ أَخَاهُ مُصْعَبًا عَلَى الْعِرَاقِ، فَاخْتَفَى عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ خَوْفًا مِنْ سَطْوَتِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ.
فَقَالَ مُصْعَبٌ: أَبْلِغُوهُ أَنَّهُ آمِنٌ، أَيَحْسَبُ أَنِّي أَقْتُلُهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ؟ كَلَّا وَاللَّهِ لَيْسَا سَوَاءٌ.
وَهَذَا من حلم مُصعب وعقله وَرِيَاسَتِهِ.
وَقَدْ رَوَى الزُّبَيْرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا.
وَلَمَّا قُتِلَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بِوَادِي السِّبَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ تَرْثِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْهُ: غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسِ بُهْمَةٍ * يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ (11) يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهْ * لَا طَائِشًا رَعِشَ الْجَنَانِ وَلَا الْيَدِ كَمْ غَمْرَةٍ قَدْ خَاضَهَا لَمْ يَثْنِهِ * عَنْهَا طراد يَا ابْنَ فَقْعِ الْقَرْدَدِ (12) ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفرت بِمثلِهِ * فِيمَن مضى فِيمَن يَرَوْحُ وَيَغْتَدِي وَاللَّهِ رَبِّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا * حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ الْمُتَعَمِّدِ وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ زيد بن لوذان بن عَمْرو بن
عبيد بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ أَبُو خَارِجَةَ، وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيُّ.
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلِهَذَا لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِهِ، قِيلَ وَلَا أُحُدًا، وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ، ثُمَّ شَهِدَ مَا بَعْدَهَا.
وَكَانَ حَافِظًا لَبِيبًا عَالِمًا عَاقِلًا، ثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودَ لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، فَتَعَلَّمَهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ زَيْدًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لما قدم رَسُول الله الْمَدِينَةَ قَالَ زَيْدٌ: ذَهَبَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُعْجِبَ بِي، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً.
فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ: " يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ".
قَالَ زيد: فتعلمت لَهُم كِتَابهمْ مَا مرت خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ، وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذا كتب.
ثمَّ رَوَاهُ أَحْمد عَن شُرَيْح بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَقَالَ: وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ.
فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيح.وَهَذَا ذَكَاءٌ مُفْرِطٌ جِدًّا.
وَقَدْ كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرَّاءِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُول الله أَنَّهُ قَالَ: " أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ".
وَمِنَ الْحُفَّاظِ مَنْ يَجْعَلُهُ مُرْسَلًا إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ كَتَبَ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ.
وَمِنْ أَوْضَحِ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله (13) " الْآيَةُ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " اكْتُبْ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ".
فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَ يَشْكُوَ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي حَتَّى كَادَتْ تَرُضُّهَا، فَنزل: " غير أولى الضَّرَر " فَأَمَرَنِي فَأَلْحَقْتُهَا، فَقَالَ زَيْدٌ: فَإِنِّي لَأَعْرِفُ [مَوْضِعَ (14) ] مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ - يَعْنِي مِنْ عِظَامٍ - الْحَدِيثَ.
وَقَدْ شَهِدَ زَيْدٌ الْيَمَامَةَ وَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَلَمْ يَضُرُّهُ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ الصِّدِّيقُ بَعْدَ هَذَا بِأَنْ يَتَتَبَّعَ الْقُرْآنَ فَيَجْمَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ.
فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الصِّدِّيقُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ خير كثير وَللَّه الْحَمد والْمنَّة.
وَقَدِ اسْتَنَابَهُ عُمْرُ مَرَّتَيْنِ فِي حَجَّتَيْنِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَنَابَهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ يَسْتَنِيبُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَيْضًا.
وَكَانَ عَلِيٌّ يُحِبُّهُ، وَكَانَ يُعَظِّمُ عَلِيًّا وَيَعْرِفُ لَهُ قَدْرَهُ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ شَيْئًا مِنْ حُرُوبِهِ.
وَتَأَخَّرَ بَعْدَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ.
وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ الْأَئِمَّةَ الَّتِي نَفَذَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى سَائِرِ الْآفَاقِ اللَّائِي وَقَعَ عَلَى التِّلَاوَةِ طِبْقَ رَسْمِهِنَّ الْإِجْمَاعُ وَالِاتِّفَاقُ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ الَّذِي كَتَبْنَاهُ مُقَدِّمَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا التَّفْسِير وَللَّه الْحَمد والْمنَّة.
* * *
وَمِنْهُم السِّجِلُّ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - إِنْ صَحَّ - وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد، حَدثنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: السِّجِلُّ كَاتِبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ " (15) السّجل: الرجل.
هَذَا لَفظه.
وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: " يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل لِلْكِتَابِ " عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
وَأَمَّا شَيْخُهُ يَزِيدُ بْنُ كَعْبٍ الْعَوْذِيُّ الْبَصْرِيُّ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَعَ ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَات.
وَقَدْ عَرَضْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ فَأَنْكَرَهُ جِدًّا، وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَةَ كَانَ يَقُولُ: هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَإِنْ كَانَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ.
فَقَالَ شَيْخُنَا الْمِزِّيُّ: وَأَنَا أَقُولُهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُلَقَّبِ بِبُومَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو، عَن مَالك الْبكْرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ السِّجِلُّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: " يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للْكتاب " قَالَ: كَمَا يطوى السّجل للْكتاب كَذَلِك تطوى السَّمَاءَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّفَّاءِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ بِهِ.
وَيَحْيَى هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَابْنُ مندة من حَدِيث أَحْمد ابْن سعيد الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بحمدان، عَن ابْن بهز، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ سَجِلٌّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ " قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ حَمْدَانُ.
وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ: قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ نُمَيْرٍ إِنْ صَحَّ.
قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا مُنْكَرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا هُوَ مُنْكَرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْوَالِبِيُّ وَالْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ عَلَى الْكِتَابِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ السِّجِلَّ هُوَ الصَّحِيفَةُ.
قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ اسْمُهُ السِّجِلُّ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ السِّجِلُّ اسْم ملك
مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَن ابْن يمَان، حَدثنَا أَبُو الْوَفَاءِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ " قَالَ: السِّجِلُّ مَلَكٌ فَإِذَا صَعِدَ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ اللَّهُ: اكْتُبْهَا نُورًا.
وَحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، عَنْ مُؤَمَّلٍ، عَنْ سُفْيَانَ، سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ.
فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو كريب عَن الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: السِّجِلُّ الْمَلَكُ.
وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ كَوْنِ السِّجِلِّ اسْمَ صَحَابِيٍّ أَوْ مَلَكٍ قَوِيٍّ جِدًّا، وَالْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ مُنْكَرٌ جِدًّا.
وَمَنْ ذَكَرَهُ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ كَابْنٍ مَنْدَهْ وَأَبِي نُعَيْمٍ
الْأَصْبَهَانِيِّ وَابْنِ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ، إِنَّمَا ذَكَرَهُ إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ تَعْلِيقًا عَلَى صِحَّتِهِ وَاللَّهُ أعلم.
* * * وَمِنْهُم سَعْدُ بْنُ أَبِي سَرْحٍ فِيمَا قَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَقَدْ وَهِمَ إِنَّمَا هُوَ ابْنُهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي عبد الْملك ابْن مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ.
فَذَكَرَ خَبَرَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْتُ لَهُ إِنْ قَوْمَكَ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرَتْهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سَفَرِهِمْ وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلم يرزؤونى مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَسْأَلُونِي إِلَّا أَنْ أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ من أَدَم، ثمَّ مضى.قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي الْهِجْرَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِسُرَاقَةَ هَذَا الْكِتَابَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ - وَيُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو - مِنْ مُوَلَّدِي الْأَزْدِ أَسْوَدَ اللَّوْنِ، وَكَانَ أَوَّلًا مَوْلًى لِلطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، فَأَسْلَمَ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الَّتِي عِنْدَ الصَّفَا مُسْتَخْفِيًا، فَكَانَ عَامِرٌ يُعَذَّبُ مَعَ جُمْلَةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ لِيَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ [فَيَأْبَى (4) ] ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِظَاهِرِ مَكَّةَ.
وَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ كَانَ مَعَهُمَا رديفا لابي بكر
وَمَعَهُمْ الدَّلِيل الدبلى فَقَطْ.
كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا (17) .
وَلَمَّا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَامِرُ بْنُ [فُهَيْرَةَ (4) ] عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا.
وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ عُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ عُرْوَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ عَامِرًا قَتَلَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جَبَّارُ بْنُ سُلْمَى مِنْ بَنِي كِلَابٍ، فَلَمَّا طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَرُفِعَ عَامِرٌ حَتَّى غَابَ عَنِ الْأَبْصَارِ حَتَّى قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: لَقَدْ رُفِعَ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ دونه.
وَسُئِلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَنْهُ فَقَالَ: كَانَ مَنْ أَفْضَلِنَا وَمِنْ أَوَّلِ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ جَبَّارٌ: فَسَأَلْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ عَمَّا قَالَ مَا يَعْنِي بِهِ؟ فَقَالَ: يعْنى الْجنَّة.
.
وَدَعَانِي الضَّحَّاكُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ قَتْلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ الضَّحَّاكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يُخْبِرُهُ بِإِسْلَامِي وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَامِرٍ، فَقَالَ: " وَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَأُنْزِلَ عِلِّيِّينَ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا: أَنْ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا.
وَقَدْ تقدم ذَلِك وَبَيَانه فِي مَوْضِعِهِ عِنْدَ غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ مِنْكُمْ لَمَّا قُتِلَ رَأَيْتُهُ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ دُونَهُ؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رُفِعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ تُوجَدْ جُثَّتُهُ.
يَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ.
أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ وَكَتَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: وَكَانَ يُنَفِّذُ مَا يَفْعَلُهُ وَيَشْكُرُهُ وَيَسْتَجِيدُهُ.
وَقَالَ سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْتَبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَكَانَ يُجِيبُ عَنْهُ الْمُلُوكَ، وَبَلَغَ مِنْ أَمَانَتِهِ أَنَّهُ [كَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ] يَكْتُبَ إِلَى بعض الْمُلُوك فَيكْتب، وَيخْتم على مَا يقرأه لِأَمَانَتِهِ عِنْدَهُ.
وَكَتَبَ لِأَبِي بَكْرٍ وَجَعَلَ إِلَيْهِ بَيْتَ الْمَالِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ عَزَلَهُ عَنْهُمَا.قُلْتُ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَا اسْتَعْفَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ.
وَيُقَالُ إِنَّ عُثْمَانَ عَرَضَ عَلَيْهِ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ أُجْرَةِ عِمَالَتِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ: إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ فَأَجْرِي على الله عزوجل.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكتب لرَسُول الله زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرِ ابْنُ الْأَرْقَمِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَتَبَ مَنْ حَضَرَ مِنَ النَّاسِ.
وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ وَعَلِيُّ وَزَيْدٌ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ سُمِّيَ مِنَ الْعَرَبِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: قُلْتُ لِشَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: مَنْ كَانَ كَاتِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: عبد الله بن الارقم، وَقد جَاءَ عمر بِكِتَاب أَبى بكر بِالْقَادِسِيَّةِ وَفِي أَسْفَلِهِ: وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن مُحَمَّد البيهقى، حَدثنَا عبد الله بن صَالح، حَدثنَا عَبْدُ ا
وَقِيلَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ إِلَى أَيَّام عُثْمَان، وَإنَّهُ أمره عُثْمَان أَن يملى الْمُصحف الامام عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تسع وَعشْرين فَالله أعلم.
وَمِنْهُم أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ.
أَبُو الْمُنْذِرِ، وَيُقَالُ أَبُو الطُّفَيْلِ.
سَيِّدُ الْقُرَّاءِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَبَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا.
وَكَانَ رَبْعَةً نَحِيفًا أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ لَا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
قَالَ أَنَسٌ: جَمَعَ الْقُرْآنَ أَرْبَعَةٌ - يَعْنِي مِنَ الْأَنْصَارِ - أُبَيُّ بْنُ كَعْبٌ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَجُلٌ من الانصار يُقَال لَهُ أَبُو يزِيد.
أَخْرَجَاهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ".
قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.
وَمَعْنَى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْك الْقُرْآن قِرَاءَةَ إِبْلَاغٍ وَإِسْمَاعٍ لَا قِرَاءَةَ تَعَلُّمٍ مِنْهُ، هَذَا لَا يَفْهَمُهُ أُحُدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُعْتَقَدَ خِلَافُهُ.
وَقد ذكرنَا فِي مَوضِع آخر سَبَب الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنه قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ: " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كتب قيمَة ".وَذَلِكَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى رَجُلٍ قِرَاءَةَ سُورَةٍ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ يَقْرَأُ أُبَيٌّ، فَرَفَعَهُ أُبَيٌّ إِلَى رَسُول الله فَقَالَ: " اقْرَأْ يَا أُبَيُّ " فَقَرَأَ فَقَالَ، " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ".
ثُمَّ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ " اقْرَأْ " فَقَرَأَ فَقَالَ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ".
قَالَ أُبَيٌّ: فَأَخَذَنِي مِنَ الشَّك وَلَا إِذْ كنت فِي الْجَاهِلِيَّة، فال: فَضرب رَسُول الله فِي صَدْرِي فَفِضْتُ عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقًا، فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ الله هَذِهِ السُّورَةَ كَالتَّثْبِيتِ
لَهُ وَالْبَيَانِ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَإِنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى أَحْرُفٍ كَثِيرَةٍ رَحْمَةً وَلُطْفًا بِالْعَبَّادِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ، فَقِيلَ: فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَقِيلَ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَقِيلَ ثَلَاث وَعِشْرُونَ وَقِيلَ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِجُمْعَةٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ أَسَدِ بْنِ جُنْدُب ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ.
أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا وَتُعْرَفُ تِلْكَ الدَّارُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْخَيْزُرَانِ.
وَهَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا.
وَقَدْ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ.
وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ أَقْطَاعَ عُظَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَخٍّ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَن جده عَمْرو ابْن حزم.وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَهُ حَدِيثَيْنِ ; الْأَوَّلَ قَالَ أَحْمَدُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ - وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ -: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَن رَسُول الله قَالَ: " إِنَّ الَّذِي يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ
خُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْجَارِّ قُصْبَهُ (1) فِي النَّارِ ".
وَالثَّانِيَ قَالَ أَحْمَدُ: حَدثنَا عِصَام بن خَالِد، حَدثنَا العطاف بن خَالِد، حَدثنَا يَحْيَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الْأَرْقَمِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَيْنَ تُرِيدُ؟ " قَالَ أَرَدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاهُنَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَيِّزِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: " مَا يُخْرِجُكَ إِلَيْهِ أَتِجَارَةٌ؟ " قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَرَدْتُ الصَّلَاةَ فِيهِ.
قَالَ: " الصَّلَاة هَاهُنَا - وأمأ بِيَدِهِ إِلَى مَكَّةَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ " وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ.
تَفَرَّدَ بِهِمَا أَحْمَدُ.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ، خَطِيبُ الْأَنْصَارِ، وَيُقَالُ لَهُ خَطِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَدَائِنِي بِأَسَانِيدِهِ عَنْ شُيُوخِهِ فِي وُفُودِ الْعَرَبِ عَلَى رَسُول الله، قَالُوا، قدم عبد الله بن عبس الثمالى ومسلمة بن هزان الحدانى على رَسُول الله فِي رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِمَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوا عَلَى قَوْمِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ، كَتَبَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَشَهِدَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رضى الله عَنْهُم.
.وَهَذَا الرَّجُلُ مِمَّنْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ.
نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَاحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ معَاذ بن عَمْرو
ابْن الْجَمُوحِ ".
وَقَدْ قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي أَيَّامِ أَبى بكر الصّديق.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ رَبَاحِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مخاشن ابْن مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْفِ بْنِ جِرْوَةَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ التَّمِيمِيُّ الْأُسَيْدِيُّ الْكَاتِبُ، وَأَخُوهُ رَبَاحٌ صَحَابِيٌّ أَيْضًا، وَعَمُّهُ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ كَانَ حَكِيمَ الْعَرَبِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَتَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ فِي الصُّلْحِ، وَشَهِدَ مَعَ خَالِدٍ حُرُوبَهُ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ أَدْرَكَ أَيَّامَ عَلَيٍّ وَتَخَلَّفَ عَنِ الْقِتَالِ مَعَهُ فِي الْجَمَلِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنِ الْكُوفَةِ لَمَّا شُتِمَ بِهَا عُثْمَانُ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامِ عَلَيٍّ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ، أَنَّ امْرَأَتَهُ لَمَّا مَاتَ جَزِعَتْ عَلَيْهِ فَلَامَهَا جَارَاتُهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ: تَعَجَّبَتْ دَعْدٌ لِمَحْزُونَةٍ * تَبْكِي عَلَى ذِي شَيْبةٍ شَاحِبِ إِنْ تَسْأَلِينِي الْيَوْمَ مَا شَفَّنِي * أُخْبِرْكِ قَوْلًا لَيْسَ بِالْكَاذِبِ إِنَّ سَوَادَ الْعَيْنِ أَوْدَى بِهِ * حُزْنٌ عَلَى حَنْظَلَةَ الْكَاتِب
(*)قَالَ أَحْمد بن عبد الله بن الرقى: كَانَ مُعْتَزِلًا لِلْفِتْنَةِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ عَلِيٍّ، جَاءَ عَنْهُ حَدِيثَانِ.
قُلْتُ: بَلْ ثَلَاثَةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدثنَا همام، حَدثنَا قَتَادَةُ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ حَافظ على
الصَّلَوَات الْخمس بركوعهن وَسُجُودِهِنَّ وَوُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " أَوْ قَالَ: " وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ قَتَادَةَ وَحَنْظَلَةَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ: " لَوْ تَدُومُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ سَاعَةً وَسَاعَةً ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُدَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ حَنْظَلَةَ.
وَالثَّالِثُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ جَدِّهِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ.
لَكِنْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٌ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ أَخِي حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ فَذَكَرَهُ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ مُرَقِّعٍ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ
الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُرَقِّعٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ فَذَكَرَهُ.
فَالْحَدِيثُ عَنْ رَبَاحٍ لَا عَنْ حَنْظَلَةَ، وَلِذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ (2) سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُخْطِئُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: وَصَحَّ قَول ابْن الرقى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ سِوَى حَدِيثَيْنِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ.
أَسْلَمَ قَدِيمًا، يُقَالُ بَعْدَ الصِّدِّيقِ بِثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ خَمْسَةٌ.
وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّهُ وَاقِفٌ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.
قَالَ: وَكَأَنَّ أَبَاهُ يَدْفَعُهُ فِيهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ ليمنعه من الْوُقُوع، فَقَصَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أُرِيدَ بِكَ خَيْرٌ، هَذَا رَسُول الله فَاتَّبِعْهُ تَنْجُ مِمَّا خِفْتَهُ.
فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْلَمَ.
فَلَمَّا بَلَغَ أَبَاهُ إِسْلَامُهُ غَضِبَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِعَصًا فِي يَدِهِ حَتَّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَمَنَعَهُ الْقُوتَ، وَنَهَى بَقِيَّةَ إِخْوَتِهِ أَنْ يُكَلِّمُوهُ، فَلَزِمَ خَالِدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا وَنَهَارًا، ثُمَّ أَسْلَمَ أَخُوهُ عَمْرٌو.
فَلَمَّا هَاجَرَ النَّاسُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ هَاجَرَا مَعَهُمْ، ثُمَّ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ فِي تَزْوِيجِ أُمِّ حَبِيبَة من رَسُول الله كَمَا قَدَّمْنَا، ثُمَّ هَاجَرَا مِنْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ صُحْبَة جَعْفَر، فَقدما على رَسُول الله بِخَيْبَرَ وَقَدِ افْتَتَحَهَا، فَأَسْهَمَ لَهُمَا عَنْ مَشُورَةِ الْمُسلمين، وَجَاء أخوهما أبان بن
سَعِيدٍ فَشَهِدَ فَتْحَ خَيْبَرَ كَمَا قَدَّمْنَا، ثُمَّ كَانَ رَسُول الله يُوَلِّيهِمُ الْأَعْمَالَ.
فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ الصِّدِّيقِ خَرَجُوا إِلَى الشَّامِ لِلْغَزْوِ فَقُتِلَ خَالِدٌ بِأَجْنَادِينَ، وَيُقَالُ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوب: حَدثنِي عبد الْملك بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن جده عَن عَمْرو ابْن حَزْمٍ ; يَعْنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ كَتَبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ رَاشِدَ بْنَ عَبْدِ رب السلمى، أعطَاهُ غلوتين
وغلوة بِحجر برهاط (3) ، فَمن خافه فَلَا حَقَّ لَهُ وَحَقُّهُ حَقٌّ وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: أَقَامَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَة بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يكْتب لرَسُول الله، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ كِتَابَ أَهْلِ الطَّائِفِ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ وَسَعَى فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ الله عَنْهُم خَالِد بن الْوَلِيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ [أَبُو سُلَيْمَانَ] (4) الْمَخْزُومِيُّ.
وَهُوَ أَمِيرُ الْجُيُوشِ الْمَنْصُورَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَالْعَسَاكِرِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَالْمَوَاقِفِ الْمَشْهُودَةِ، وَالْأَيَّامِ الْمَحْمُودَةِ.
ذُو الرَّأْيِ السَّدِيدِ، وَالْبَأْسِ الشَّدِيدِ، وَالطَّرِيقِ الْحَمِيدِ.
أَبُو سُلَيْمَان خَالِد بن الْوَلِيد.
وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَيْشٍ فَكُسِرَ لَا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: كَانَتْ إِلَيْهِ فِي قُرَيْشٍ الْقُبَّةُ وَأَعِنَّةُ الْخَيْلِ.
أَسْلَمَ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنُ أَبِي طَلْحَة بعد الْحُدَيْبِيَة وَقبل خَيْبَرَ، وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُهُ فِيمَا يَبْعَثُهُ أَمِيرًا، ثُمَّ كَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْعَسَاكِرِ كُلِّهَا فِي أَيَّامِ الصّديق.
فَلَمَّا ولى عمر بن الْخطاب عَزَلَهُ وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ أَمِينَ الْأُمَّةِ عَلَى أَلا يَخْرُجَ عَنْ رَأْيِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
ثُمَّ مَاتَ خَالِدٌ فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.
وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ - وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ - بِقَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ حِمْصَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهَا فَقِيلَ لِي دَثَرَتْ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: مَاتَ بِالْمَدِينَةِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا.
قَالَ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيه عَن جده، عَن عَمْرو ابْن حَزْمٍ، إِنَّ هَذِهِ قَطَائِعُ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ أَن صيدوح (5) وصيده لَا يعضد صَيْده وَلَا يُقْتَلُ، فَمَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يجلد وَينْزع ثِيَابُهُ، وَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيُبْلَغُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ.
وَكَتَبَ خَالِدُ بن الْوَلِيد بِأَمْر رَسُول الله فَلَا يَتَعَدَّاهُ أَحَدٌ فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مُحَمَّد.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَصَّيٍّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ.
أَحَدُ الْعَشْرَةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَصْحَابِ الشُّورَى الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله وَهُوَ عَنْهُم رَاض
[وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ وَزَوْجِ أَسمَاء بنت أَبى بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (6) .
رَوَى عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم، أَن الزبير بن الْعَوام هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِبَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ جَرْوَلٍ الْكِتَابَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَهُ لَهُمْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَتِيقٍ بِهِ.
أَسْلَمَ الزبير قَدِيما رضى الله عَنهُ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَيُقَالُ ابْنُ ثمانى سِنِينَ، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ الْمُشَاهِدَ كُلَّهَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَلَّ سَيْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَدْ شَهِدَ الْيَرْمُوكَ وَكَانَ أَفْضَلَ مَنْ شَهِدَهَا، وَاخْتَرَقَ يَوْمَئِذٍ صُفُوفَ الرُّومِ مِنْ أَوَّلِهِمْ
إِلَى آخِرِهِمْ مَرَّتَيْنِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ سَالِمًا، لَكِنْ جُرِحَ فِي قَفَاهِ بِضَرْبَتَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَبَوَيْهِ (7) وَقَالَ: " إِنَّ لكل نبى حواريا وحواري الزبير ".
وَلَهُ فَضَائِلُ وَمَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَرَّ رَاجِعًا عَنِ الْقِتَالِ، فَلَحِقَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ وَفَضَالَةُ بْنُ حَابِسٍ وَرجل ثَالِث يُقَال لَهُ النعر التَّمِيمِيُّونَ، بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي السِّبَاعِ، فَبَدَرَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ يَوْمئَذٍ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
وَقَدْ خَلَّفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَهُ تَرِكَةً عَظِيمَةً، فَأَوْصَى مِنْ ذَلِكَ بِالثُّلْثِ بَعْدَ إِخْرَاجِ أَلْفَيْ أَلْفٍ ومائتي ألف دِينَار، فَلَمَّا قُضِيَ دَيْنُهُ وَأُخْرِجَ ثُلُثُ مَالِهِ قُسِمَ الْبَاقِي عَلَى وَرَثَتِهِ، فَنَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ - وَكن أَرْبعا - ألف ألف وَمِائَتَا ألف، فمجموع مَا ذَكرْنَاهُ مِمَّا
تَرَكَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفَ ألف وَثَمَانمِائَة أَلْفٍ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ وُجُوهِ حِلٍّ نَالَهَا فِي حَيَاته مِمَّا كَانَ يُصِيبهُ من الفئ وَالْمَغَانِمِ، وَوُجُوهِ مَتَاجِرِ الْحَلَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ إِخْرَاج الزَّكَاة فِي أَوْقَاتِهَا، وَالصِّلَاتِ الْبَارِعَةِ الْكَثِيرَةِ لِأَرْبَابِهَا فِي أَوْقَات حاجاتها.
رضى الله عَنهُ ورأضاه وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مَثْوَاهُ، وَقَدْ فَعَلَ! فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ لَهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالْجَنَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَالَ فِيهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُهُ وَيُفَضِّلُهُ بِذَلِكَ.
أَقَامَ عَلَى عَهْدِ النَّبِي وهديه * حواريه وَالْقَوْل بِالْفَضْلِ يُعْدَلُ أَقَامَ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَرِيقِهِ * يُوَالِي وَلِيَّ الْحَقِّ وَالْحَقُّ أَعْدَلُ هُوَ الْفَارِسُ الْمَشْهُورُ وَالْبَطَلُ الَّذِي * يَصُولُ إِذَا مَا كَانَ يَوْمٌ مُحَجَّلُ ( وَإِن امْرَءًا كَانَتْ صَفِيَّةُ أُمُّهُ * وَمِنْ أَسَدٍ فِي بَيْتِهِ لَمُرَفَّلُ (9) لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قُرْبَى قَرِيبَةٌ * وَمِنْ نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ مَجْدٌ مُؤَثَّلُ فَكَمْ كُرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ * عَنِ الْمُصْطَفَى وَاللَّهُ يُعْطِي وَيُجْزِلُ إِذَا كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا الْحَرْبُ حَشَّهَا * بأبيض [سباق (10) ] إِلَى الْمَوْت يرفل فَمَا مِثْلُهُ فِيهِمْ وَلَا كَانَ قَبْلَهُ * وَلَيْسَ يكون الدَّهْر مَا دَامَ يذبل قد تَقَدَّمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ التَّمِيمِيُّ بِوَادِي السِّبَاعِ وَهُوَ نَائِمٌ، وَيُقَالُ بَلْ قَامَ مِنْ آثَارِ النَّوْمِ وَهُوَ دَهِشٌ فَرَكِبَ وَبَارَزَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ، فَلَمَّا صَمَّمَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ أَنْجَدَهُ صَاحِبَاه فضَالة والنعر فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ رَأْسَهُ وَسَيْفَهُ.
فَلَمَّا دخل بهما على
عَلِيٍّ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا رَأَى سَيْفَ الزُّبَيْرِ: إِنَّ هَذَا السَّيْفَ طَالَمَا فَرَّجَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ فِيمَا قَالَ: بَشِّرْ قَاتَلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ.
فَيُقَالُ إِنَّ عَمْرَو بْنَ جُرْمُوزٍ لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَتَلَ نَفْسَهُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُمِّرَ بَعْدَ عَلِيٍّ حَتَّى كَانَتْ أَيَّامُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَاسْتَنَابَ أَخَاهُ مُصْعَبًا عَلَى الْعِرَاقِ، فَاخْتَفَى عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ خَوْفًا مِنْ سَطْوَتِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ.
فَقَالَ مُصْعَبٌ: أَبْلِغُوهُ أَنَّهُ آمِنٌ، أَيَحْسَبُ أَنِّي أَقْتُلُهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ؟ كَلَّا وَاللَّهِ لَيْسَا سَوَاءٌ.
وَهَذَا من حلم مُصعب وعقله وَرِيَاسَتِهِ.
وَقَدْ رَوَى الزُّبَيْرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا.
وَلَمَّا قُتِلَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بِوَادِي السِّبَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ تَرْثِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْهُ: غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسِ بُهْمَةٍ * يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ (11) يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهْ * لَا طَائِشًا رَعِشَ الْجَنَانِ وَلَا الْيَدِ كَمْ غَمْرَةٍ قَدْ خَاضَهَا لَمْ يَثْنِهِ * عَنْهَا طراد يَا ابْنَ فَقْعِ الْقَرْدَدِ (12) ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفرت بِمثلِهِ * فِيمَن مضى فِيمَن يَرَوْحُ وَيَغْتَدِي وَاللَّهِ رَبِّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا * حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ الْمُتَعَمِّدِ وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ زيد بن لوذان بن عَمْرو بن
عبيد بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ أَبُو خَارِجَةَ، وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيُّ.
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلِهَذَا لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِهِ، قِيلَ وَلَا أُحُدًا، وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ، ثُمَّ شَهِدَ مَا بَعْدَهَا.
وَكَانَ حَافِظًا لَبِيبًا عَالِمًا عَاقِلًا، ثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودَ لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، فَتَعَلَّمَهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ زَيْدًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لما قدم رَسُول الله الْمَدِينَةَ قَالَ زَيْدٌ: ذَهَبَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُعْجِبَ بِي، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً.
فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ: " يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ".
قَالَ زيد: فتعلمت لَهُم كِتَابهمْ مَا مرت خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ، وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذا كتب.
ثمَّ رَوَاهُ أَحْمد عَن شُرَيْح بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَقَالَ: وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ.
فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيح.وَهَذَا ذَكَاءٌ مُفْرِطٌ جِدًّا.
وَقَدْ كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرَّاءِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُول الله أَنَّهُ قَالَ: " أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ".
وَمِنَ الْحُفَّاظِ مَنْ يَجْعَلُهُ مُرْسَلًا إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ كَتَبَ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ.
وَمِنْ أَوْضَحِ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله (13) " الْآيَةُ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " اكْتُبْ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ".
فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَ يَشْكُوَ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي حَتَّى كَادَتْ تَرُضُّهَا، فَنزل: " غير أولى الضَّرَر " فَأَمَرَنِي فَأَلْحَقْتُهَا، فَقَالَ زَيْدٌ: فَإِنِّي لَأَعْرِفُ [مَوْضِعَ (14) ] مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ - يَعْنِي مِنْ عِظَامٍ - الْحَدِيثَ.
وَقَدْ شَهِدَ زَيْدٌ الْيَمَامَةَ وَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَلَمْ يَضُرُّهُ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ الصِّدِّيقُ بَعْدَ هَذَا بِأَنْ يَتَتَبَّعَ الْقُرْآنَ فَيَجْمَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ.
فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الصِّدِّيقُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ خير كثير وَللَّه الْحَمد والْمنَّة.
وَقَدِ اسْتَنَابَهُ عُمْرُ مَرَّتَيْنِ فِي حَجَّتَيْنِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَنَابَهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ يَسْتَنِيبُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَيْضًا.
وَكَانَ عَلِيٌّ يُحِبُّهُ، وَكَانَ يُعَظِّمُ عَلِيًّا وَيَعْرِفُ لَهُ قَدْرَهُ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ شَيْئًا مِنْ حُرُوبِهِ.
وَتَأَخَّرَ بَعْدَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ.
وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ الْأَئِمَّةَ الَّتِي نَفَذَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى سَائِرِ الْآفَاقِ اللَّائِي وَقَعَ عَلَى التِّلَاوَةِ طِبْقَ رَسْمِهِنَّ الْإِجْمَاعُ وَالِاتِّفَاقُ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ الَّذِي كَتَبْنَاهُ مُقَدِّمَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا التَّفْسِير وَللَّه الْحَمد والْمنَّة.
* * *
وَمِنْهُم السِّجِلُّ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - إِنْ صَحَّ - وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد، حَدثنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: السِّجِلُّ كَاتِبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ " (15) السّجل: الرجل.
هَذَا لَفظه.
وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: " يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل لِلْكِتَابِ " عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
وَأَمَّا شَيْخُهُ يَزِيدُ بْنُ كَعْبٍ الْعَوْذِيُّ الْبَصْرِيُّ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَعَ ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَات.
وَقَدْ عَرَضْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ فَأَنْكَرَهُ جِدًّا، وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَةَ كَانَ يَقُولُ: هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَإِنْ كَانَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ.
فَقَالَ شَيْخُنَا الْمِزِّيُّ: وَأَنَا أَقُولُهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُلَقَّبِ بِبُومَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو، عَن مَالك الْبكْرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ السِّجِلُّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: " يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للْكتاب " قَالَ: كَمَا يطوى السّجل للْكتاب كَذَلِك تطوى السَّمَاءَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّفَّاءِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ بِهِ.
وَيَحْيَى هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَابْنُ مندة من حَدِيث أَحْمد ابْن سعيد الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بحمدان، عَن ابْن بهز، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ سَجِلٌّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ " قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ حَمْدَانُ.
وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ: قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ نُمَيْرٍ إِنْ صَحَّ.
قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا مُنْكَرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا هُوَ مُنْكَرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْوَالِبِيُّ وَالْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ عَلَى الْكِتَابِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ السِّجِلَّ هُوَ الصَّحِيفَةُ.
قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ اسْمُهُ السِّجِلُّ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ السِّجِلُّ اسْم ملك
مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَن ابْن يمَان، حَدثنَا أَبُو الْوَفَاءِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ " قَالَ: السِّجِلُّ مَلَكٌ فَإِذَا صَعِدَ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ اللَّهُ: اكْتُبْهَا نُورًا.
وَحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، عَنْ مُؤَمَّلٍ، عَنْ سُفْيَانَ، سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ.
فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو كريب عَن الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: السِّجِلُّ الْمَلَكُ.
وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ كَوْنِ السِّجِلِّ اسْمَ صَحَابِيٍّ أَوْ مَلَكٍ قَوِيٍّ جِدًّا، وَالْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ مُنْكَرٌ جِدًّا.
وَمَنْ ذَكَرَهُ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ كَابْنٍ مَنْدَهْ وَأَبِي نُعَيْمٍ
الْأَصْبَهَانِيِّ وَابْنِ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ، إِنَّمَا ذَكَرَهُ إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ تَعْلِيقًا عَلَى صِحَّتِهِ وَاللَّهُ أعلم.
* * * وَمِنْهُم سَعْدُ بْنُ أَبِي سَرْحٍ فِيمَا قَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَقَدْ وَهِمَ إِنَّمَا هُوَ ابْنُهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي عبد الْملك ابْن مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ.
فَذَكَرَ خَبَرَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْتُ لَهُ إِنْ قَوْمَكَ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرَتْهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سَفَرِهِمْ وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلم يرزؤونى مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَسْأَلُونِي إِلَّا أَنْ أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ من أَدَم، ثمَّ مضى.قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي الْهِجْرَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِسُرَاقَةَ هَذَا الْكِتَابَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ - وَيُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو - مِنْ مُوَلَّدِي الْأَزْدِ أَسْوَدَ اللَّوْنِ، وَكَانَ أَوَّلًا مَوْلًى لِلطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، فَأَسْلَمَ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الَّتِي عِنْدَ الصَّفَا مُسْتَخْفِيًا، فَكَانَ عَامِرٌ يُعَذَّبُ مَعَ جُمْلَةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ لِيَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ [فَيَأْبَى (4) ] ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِظَاهِرِ مَكَّةَ.
وَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ كَانَ مَعَهُمَا رديفا لابي بكر
وَمَعَهُمْ الدَّلِيل الدبلى فَقَطْ.
كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا (17) .
وَلَمَّا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَامِرُ بْنُ [فُهَيْرَةَ (4) ] عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا.
وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ عُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ عُرْوَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ عَامِرًا قَتَلَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جَبَّارُ بْنُ سُلْمَى مِنْ بَنِي كِلَابٍ، فَلَمَّا طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَرُفِعَ عَامِرٌ حَتَّى غَابَ عَنِ الْأَبْصَارِ حَتَّى قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: لَقَدْ رُفِعَ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ دونه.
وَسُئِلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَنْهُ فَقَالَ: كَانَ مَنْ أَفْضَلِنَا وَمِنْ أَوَّلِ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ جَبَّارٌ: فَسَأَلْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ عَمَّا قَالَ مَا يَعْنِي بِهِ؟ فَقَالَ: يعْنى الْجنَّة.
.
وَدَعَانِي الضَّحَّاكُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ قَتْلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ الضَّحَّاكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يُخْبِرُهُ بِإِسْلَامِي وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَامِرٍ، فَقَالَ: " وَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَأُنْزِلَ عِلِّيِّينَ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا: أَنْ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا.
وَقَدْ تقدم ذَلِك وَبَيَانه فِي مَوْضِعِهِ عِنْدَ غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ مِنْكُمْ لَمَّا قُتِلَ رَأَيْتُهُ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ دُونَهُ؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رُفِعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ تُوجَدْ جُثَّتُهُ.
يَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ.
* * * وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ.
أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ وَكَتَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: وَكَانَ يُنَفِّذُ مَا يَفْعَلُهُ وَيَشْكُرُهُ وَيَسْتَجِيدُهُ.
وَقَالَ سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْتَبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَكَانَ يُجِيبُ عَنْهُ الْمُلُوكَ، وَبَلَغَ مِنْ أَمَانَتِهِ أَنَّهُ [كَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ] يَكْتُبَ إِلَى بعض الْمُلُوك فَيكْتب، وَيخْتم على مَا يقرأه لِأَمَانَتِهِ عِنْدَهُ.
وَكَتَبَ لِأَبِي بَكْرٍ وَجَعَلَ إِلَيْهِ بَيْتَ الْمَالِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ عَزَلَهُ عَنْهُمَا.قُلْتُ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَا اسْتَعْفَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ.
وَيُقَالُ إِنَّ عُثْمَانَ عَرَضَ عَلَيْهِ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ أُجْرَةِ عِمَالَتِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ: إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ فَأَجْرِي على الله عزوجل.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكتب لرَسُول الله زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرِ ابْنُ الْأَرْقَمِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَتَبَ مَنْ حَضَرَ مِنَ النَّاسِ.
وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ وَعَلِيُّ وَزَيْدٌ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ سُمِّيَ مِنَ الْعَرَبِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: قُلْتُ لِشَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: مَنْ كَانَ كَاتِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: عبد الله بن الارقم، وَقد جَاءَ عمر بِكِتَاب أَبى بكر بِالْقَادِسِيَّةِ وَفِي أَسْفَلِهِ: وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن مُحَمَّد البيهقى، حَدثنَا عبد الله بن صَالح، حَدثنَا عَبْدُ ا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يونيو 27, 2013 8:37 pm من طرف ابو بلال
» غذاء الملكات
الخميس يونيو 27, 2013 8:34 pm من طرف ابو بلال
» أمراض يعالجها العسل
الخميس يونيو 27, 2013 8:28 pm من طرف ابو بلال
» فوائد عسل النحل
الخميس يونيو 27, 2013 8:27 pm من طرف ابو بلال
» تركيب العسل
الخميس يونيو 27, 2013 8:25 pm من طرف ابو بلال
» مواصفات العسل الطبيعي :
السبت أبريل 27, 2013 8:00 pm من طرف ابو بلال
» العشرة المبشرون بالجنة
السبت أبريل 27, 2013 7:38 pm من طرف ابو بلال
» حقوق المرأة في الإسلام
الثلاثاء أبريل 23, 2013 8:21 am من طرف lolita lola
» حتى الكدب يرفضه النمل سبحان من خلق وسوى وابدع
الأحد أبريل 21, 2013 9:41 am من طرف lolita lola